"المقلوبة" أكلة فلسطينية ترتبط بالنضال.. تعرف على أصلها
تعد "المقلوبة" من أشهر الأكلات المعروفة في فلسطين منذ قديم الزمان، وقد كان يُطلق عليها اسم "الباذنجانية"؛ وذلك بسبب أن الباذنجان يُستخدم فيها كمكون رئيسي.
أصل المقلوبة:
أما عن أصل "المقلوبة" ومكانتها عند الفلسطينيين؛ فتتعدد الروايات التاريخية حول ذلك، ولكن أشهرها هو أن القائد صلاح الدين الأيوبي عندما فتح هو وجنوده القدس، دخلوا المدينة المقدسة، فاحتفل الفلسطينيون بذلك النصر العظيم، وقدموا لهم طبق "الباذنجانية"؛ فأُعجِب بها صلاح الدين وسألهم عن اسمها واصفا إياها بالطبخة "المقلوبة"؛ لأن تلك الأكلة تُقلب في صواني التقديم أمام الضيوف.
وتشير الروايات التاريخية إلى أن تلك الأكلة ظلت لفترة طويلة تُعرف باسم "الباذنجانية"، ومع تطور الأكلة وإدخال مكونات أخرى فيها بدلا من الباذنجان تمت تسميتها بـ"المقلوبة"؛ لأنه يوضع اللحم أو السمك أو الدجاج مع الخضار المشكل في قاع الوعاء الذي تطبخ فيه، ثم تُقلب هذه الخلطة عند تقديمها، بحيث يصبح الأرز بالأسفل واللحم والخضار في الأعلى؛ ولذلك أُطلق عليها اسم "مقلوبة"؛ لأنها يتم قلبها بأي مكون سواء كان باذنجانا أو غيره.
كما ذكرت إحدى الروايات التاريخية أن هذه الأكلة الفلسطينية كانت تسمى "الصيادية"؛ فقد اشتهر بها أهل الساحل على شواطئ البحر الأبيض المتوسط الذين كانوا يعتمدون في طعامهم على صيد السمك، ثم بعد ذلك انتشرت "الصيادية" بين المناطق الفلسطينية الجبلية، وطبخوها باستخدام الدجاج واللحم بدلا من السمك؛ لذلك تغير اسمها بعد تغير المكون الرئيسي فيها "السمك" وأطلق عليها اسم "المقلوبة"؛ لأن تلك الأكلة تحتاج على اختلاف مكوناتها إلى أن يتم قلبها في صواني التقديم.
وأصبحت "المقلوبة" رمزا وطنيا للنضال والمقاومة الفلسطينية الحرة؛ حيث إن النساء المرابطات يقمن بطهيها وقلبها في ساحات المسجد الأقصى المبارك، خاصة في شهر رمضان.
وقد نظمت الشاعرة الفلسطينية أحلام الحنفي قصيدة في "المقلوبة المقدسية" تقول فيها:
وفي ساحِ القِباب رأيتُ سِحرًا ... ولونُ الحَبِّ في الأطباقِ صُفرًا
فذي مقلوبةٌ قلبتْ كيانًا ... يراها في صحونِ النَّاسِ شَرًّا
وأما المقدسيُّ فهام حُبًّا ... إذا كانتْ غداءَ اليومِ عَصرًا
فيأكلها الصغارُ مع الكبارِ ... بكف الدُّرتين تفيضُ طُهرا
إذا عين البعيد يرى بهاها ... زكاوتها تجمُّ القلب دهرًا
بحسرتها عيون الناظرين ... على بُعد الديارِ تذوب قهرًا
وتغبط من يلبيها بيومٍ ... بساحاتِ الرباطِ وقال شكرًا
تتوق لحفنة منها غداءً ... إذا صارت بيوم النصرِ بشرى
مباركة بكفِّ الماجدات ... فصبرًا في بلوغِ الأمر صبرًا
مكونات المقلوبة:
تتكون "المقلوبة" من الباذنجان الرومي والبطاطس والأرز والبصل والدجاج أو اللحم وزيت الزيتون والقرفة والمكسرات والصنوبر وورق الغار والفلفل والملح وبهارات المقلوبة.
انتشار المقلوبة في عدة دول:
وانتقل انتشار "المقلوبة" من فلسطين إلى العديد من دول العالم تباعا؛ حيث انتشرت في دول الشام ثم وصلت إلى مصر والسعودية والعراق؛ حتى إنها تعد حاليا من الأطباق الرئيسية التي تقدم في لبنان والأردن والعراق وسوريا.
ويعتقد الكثيرون أن انتشار "المقلوبة" واكب هجرة الفلسطينيين ونزوحهم بعد حرب 1948، خصوصا في الأردن ولبنان وسوريا، بالإضافة إلى أغلب الدول التي وصلوا إليها؛ حيث تطورت هذه الأكلة وتم وضع الخضار والبهارات والتوابل إليها، كما أضاف إليها البعض البطاطا والفول الأخضر والجزر والقرع الأصفر والعديد من أنواع الخضراوات الأخرى، فضلا عن الحبهان والتوابل الأخرى.
وتختلف العائلات في طريقة طهيها؛ فهناك بعض العائلات تُفضّل طهيها بالدجاج، بينما يتمسك آخرون باللحم باعتباره مكونا أساسيا فيها، وهناك أيضا من يعتمد في طهيها على الأرز البسمتي، بينما يفضل آخرون طهيها بالأرز المصري.
ويتم تقديم "المقلوبة" عادة في المناسبات والأفراح والولائم، كما يتم طهيها أيضا في الأيام العادية بعيدا عن المناسبات، مع الاستغناء عن بعض الإضافات المكلفة مثل الصنوبر والمكسرات واستعمال الدجاج بديلا عن اللحم لتكلفته المادية الأقل، وكذلك التخلي عن زيت الزيتون في طهيها ووضع الزيت النباتي بدلا منه.
فوائد المقلوبة:
تحتوي "المقلوبة" على العديد من العناصر الغذائية المفيدة من المعادن والنشويات والبروتينات والكربوهيدرات والألياف والخضراوات؛ حيث تحتوي على حمض الفوليك والفوسفور والبوتاسيوم والنحاس والنياسين.
وتطهى "المقلوبة" باستخدام "الباذنجان" الذي يحتوي على فيتامين "ب 6" و"ب 1" المضاد للأكسدة، بالإضافة إلى صبغة "الأنثوسيانين" المضادة أيضا للأكسدة، كما يحتوي "الباذنجان" على مادتي السكوبارون والسكوبولتين اللتين تسهمان في توفر القدرة على مواجهة الصرع، والتقليل من التوتر النفسي والعصبي.
كما أن بهارات المقلوبة لها العديد من الفوائد التي تقي الجسم من الأمراض؛ مثل الكركم والقرنفل والكزبرة الجافة والقرفة والفلفل الأسود وغيرها.
.