مطاعم البيك.. قصة 47 عاما من الكفاح تكللت بالنجاح الكبير في الوجبات السريعة
سلسلة مطاعم "البيك" من أشهر سلاسل المطاعم في الشرق الأوسط، وقد تم تأسيسها منذ 47 عاما وتحديدا عام 1974، على يد شكور أبو غزالة، فلسطيني الأصل، وهو مدير مستودع قديم في منطقة الشرفية بجدة، وهو والد رامي شكور أبو غزالة المالك الحالي لسلسلة مطاعم "البيك" في المملكة العربية السعودية، ومديرها التنفيذي.
بدأت فكرة إنشاء سلسلة مطاعم "البيك" عندما لاحظ شكور أبو غزالة أن دول الخليج العربي عموما، والمملكة العربية السعودية خصوصا، تمتلك عددا قليلا جدا من مطاعم الوجبات السريعة التي تقدم طعاما جيدا في بيئة نظيفة، خاصة بعد ارتفاع فرص العمل؛ حيث لم يُعد هناك وقت للطهي في المنزل؛ ما أدى إلى اتجاه الناس إلى تناول الوجبات الجاهزة.
حينها فكّر أبو غزالة في استيراد علامة تجارية يكون سعرها ضمن إمكانياته؛ لكي يفتح محلا صغيرا يقدم الوجبات السريعة، وهو ما حدث بالفعل؛ حيث إنه أول من تمكن من إدخال طريقة تحضير الدجاج المقلي "البروستد" إلى السعودية وتنفيذها.
ووقّع أبو غزالة اتفاقية وكالة حصرية مع شركة "بروست الفرنسية"، التي تمكن من خلالها من استخدام مُعدات وخلطات خاصة للدجاج المقلي.
وبطبيعة الحال لا بد أن يواجه أي شخص ناجح العديد من العقبات في طريقه للنجاح؛ فقد واجه شكور أبو غزالة أول عقبة في طريقه لتحويل فكرته إلى واقع، وتتمثل هذه العقبة في اختيار موقع المحل، ولكنه وجد مكانا استراتيجيا جدا يقع عند تقاطع شارع فلسطين مع المدينة المنورة، وتحديدا في بناية الدخيل.
ثم واجهته عقبة أكبر، وهي أن إمدادات التيار الكهربائي لم تصل بعد إلى بناء الدخيل.
لم يستسلم شكور أبو غزالة وبحث عن مكان آخر مُناسب لافتتاح مطعمه وإنجاز فكرته؛ فاختار مستودعا قديما يقع على طريق المطار في حي الشرفية؛ فقام باستئجاره وجهزه ليكون أول مطعم "بروست" يُفتتح في السعودية، وذلك في عام 1974م.
وبعد افتتاح المطعم لم تتحقق توقعات شكور أبو غزالة بنجاح المشروع وتحقيق الأرباح؛ حيث إن الناس لم يتقبلوا فكرة تحضير الدجاج بهذه الطريقة، ولم يتجاوز عدد زبائن المطعم في السنة كلها 100 زبون، وكان شكور أبو غزالة هو من يقوم بنفسه بكل ما يجب القيام به في المطعم؛ من تحضير الوجبات وتقديمها للزبائن ومحاسبتهم.
وبعد سنتين فقط من افتتاح المطعم أصيب شكور أبو غزالة بمرض السرطان وظل يعاني منه حتى توفي يوم 14 أغسطس من عام 1976، وبسبب وفاته قامت شركة "بروست" الفرنسية بإنهاء العقد.
الإصرار على استكمال المسيرة والنجاح:
عندما توفي شكور أبو غزالة كان ابناه إحسان ورامي في المرحلة الجامعية، وقد تلقيا خطابا من الشركة الفرنسية يفيد بإلغاء الوكالة بسبب موت الطرف الآخر؛ فأصبح العمل ضائعا، حيث لم تكن لديهما رؤية لاستكمال المشوار.
وبعد سنتين من الحادثة تخرج إحسان في الجامعة وحصل على شهادة البكالوريوس في تخصص "بترول ومعادن"؛ ففكر في أن يُكمل المشوار الذي بدأه والده، ولكنه وجد عقبات كبيرة في انتظاره؛ أبرزها الخسائر، ووجود مؤسسات كانت تعمل في غير مجال المطاعم، وقلة خبرته بسبب أنه في مطلع العمر.
ورغم كل هذه العقبات فإنه اتخذ قرارا جريئا جدا، وهو أن يُصفي كل الأعمال الموجودة، ويُبقي على المطاعم فقط، وكان لذلك القرار أثر كبير فيه هو وأخوه حتى هذه اللحظة، وذلك بحصر عملهما في مجال المطاعم رغم أنه ليس من ضمن اختصاصهما.
بعد ذلك تخرج أخوه رامي في الجامعة؛ فتلقى هو وأخوه صدمة ثانية وكبيرة؛ وهي أنهما تلقيا رسالة من البنك بمديونية على المؤسسة بالملايين؛ فقدم لهما للبنك خيارا من اثنين؛ إما سداد الديون على دفعات لمدة سنتين، أو الحجز على كل الممتلكات؛ ولكن بسبب أن لديهما حافزا كبيرا لإكمال المشوار الذي بدأه أبوهما؛ فاختارا التوقيع على كمبيالات، وقاما بدفعها على سنتين.
وفي هذه المرحلة اتخذ الأخوان شعار التقشف؛ فكانا يعملان في مكاتب صغيرة جدا وضيقة، وقاما بإلغاء الشاي والقهوة في المكاتب، وقام رامي بارتداء زيّ المطاعم، ونظف الحمامات، وتعلم كيف يكنس ويمسح التراب؛ بالإضافة إلى تعلم خدمة الزبائن والكاشير.
أما إحسان فقد سافر إلى باريس لتعلم علوم تكنولوجيا الغذاء في ذلك الوقت؛ وبمجرد أن تعلم هو ورامي أساسيات العمل؛ قاما ببدء تطبيق الأنظمة التي تضمن الجودة وتعمل على زيادة الكفاءة.
بعد عودة إحسان إلى جدة عمل على تطوير الوصفة السرية للنكهة، والتي تتكون من 18 عنصرا بنسب مختلفة؛ حيث بدأ بشراء خلطات سرية من هناك؛ وقام هو ورامي بإعداد تلك الخلطات في مكان سري؛ واستمرت هذه المرحلة 4 سنوات حتى استطاعا التوصل إلى طعم خاص بهما.
بعد ذلك ظهرت بشائر النجاح، ورغم ذلك النجاح؛ فقد ظهرت أيضا تحديات جديدة؛ أهمها المطاعم المنافسة؛ حيث كان في جدة وحدها 400 مطعم "بروست"؛ ما أساء إلى كلمة "بروست"، لدرجة أن الناس اعتقدوا أن كل مطاعم "بروست" سيئة وغير صحية؛ لذلك فكر الأخوان في تمييز منتجهما عن باقي المطاعم المُنافسة والتفوق عليها.
وبدأ الأخوان بتدريب العاملين على فن الخدمة، وترتيب العمل، والجودة في المُنتج؛ حتى يرى الزبون الفارق بين مطعمهما وبين المطاعم الأخرى، وهنا جاءت فكرة الاسم الحالي للمطعم؛ فقد اجتمعت العائلة للتفكير في الانفصال عن اسم "البروست"، وكتبوا قائمة كبيرة بأسماء مُقترحة، حتى توصلوا في النهاية إلى اسم "البيك" الذي تم إطلاقه عام 1986م.
ومنذ ذلك الوقت حقق مطعم البيك نجاحا كبيرا في جدة؛ وهو ما دفع رامي وأخاه إحسان إلى التفكير في الانتشار في جميع أنحاء السعودية؛ ففكرا في أقرب المدن إلى جدة، وهي مكة المكرمة التي تبعد عنها ساعة واحدة فقط.
وبعد بحث دقيق تمكن الأخوان من إيجاد موقع مثالي ومميز، فقد افتتحا مطعمهما في شارع أم القُرى عند مدخل مكة المُكرمة، وكان ذلك عام 1990، وبعد ذلك توسعت سلسة مطاعم "البيك" وانتشرت في المدينة المنورة، والطائف، والقصيم، وينبع، والقُنفذة، والليث، وغيرها؛ حتى وصل عدد الفروع، في يونيو 2021، إلى أكثر من 120 فرعا موزعة على كل مناطق السعودية، بالإضافة إلى فرعين في مملكة البحرين وفرع في الإمارات العربية المتحدة.
.