"تعامد الشمس" عبقرية مصرية في الفلك والزراعة والعمارة والفنون
قال خبير الآثار الدكتور عبد الرحيم ريحان عضو المجلس الأعلى للثقافة لجنة التاريخ والآثار: إن الشمس تتعامد على أربعة مواقع في مصر في الكرنك بالأقصر وأبو سمبل بأسوان وقصر قارون بالفيوم، وكنيسة الملاك ميخائيل بكفر الدير بمنيا القمح بالشرقية.
وأكد أن الشمس تتعامد يوم 21 ديسمبر من كل عام على قدس الأقداس بمعبد قصر قارون بالفيوم بالتزامن مع تعامد الشمس على معبد الكرنك بمحافظة الأقصر، ويبعد معبد قصر قارون نحو 65 كم عن مدينة الفيوم ويقع جنوب غرب بحيرة قارون، وتسمى المدينة بمدينة ديونيسيوس، وهى مدينة شيدت فى العصر البطلمي نحو القرن الثالث قبل الميلاد وشيد في منتصف المدينة معبد للإله سوبك الإله المحلي لإقليم الفيوم الذى كان يُعبد في صورة تمساح.
وقد اكتشف الظاهرة الدكتور مجدى فكري، وبدأ الاحتفال بها 2010 وتتعامد الشمس لمدة 25 دقيقة حتى تدخل لمدخل المعبد ثم تتسرب من خلال محور المعبد لتضىء المقصورة الوسطى لقدس الأقداس، والتى يفترض أنها كانت تحتوى على المركب المقدس للإله سوبك لتنحرف يمينا لتنير المقصورة اليمنى والتى يفترض أنها كانت تحتوى على تمثال الإله، فيما تظل المقصورة اليسرى غارقة فى الظلام حيث كانت تحوى على مومياء للإله سوبك التمساح التى كانت يجب أن تبقى فى الظلام، كما تتعامد الشمس على معبد الكرنك في الأقصر يوم 21 ديسمبر من كل عام من الساعة السادسة وحتى الثامنة صباحًا.
ونوه الدكتور ريحان، إلى ظاهرة تعامد الشمس على أبو سمبل المسجل تراثا عالميا منذ عام 1979 ويشمل "معالم النوبة من أبو سمبل إلى فيلة" والتى تضم الكثير من المعابد الأثرية مثل معبد رمسيس الثانى فى أبو سمبل ومعبد إيزيس فى جزيرة فيلة الذين أمكن إنقاذهما من الغرق بسبب بناء السد العالى، وكان الموقع الأصلى لمعالم موقع التراث العالمى "معالم النوبة" أمام الشلال الثانى، لكن منذ إنشاء السد العالى تم نقلهم إلى موقعهم الحالى الجديد وأطلقت منظمة اليونسكو حملة عالمية لإنقاذ المواقع المهددة بالغرق من جرّاء بناء السد ونقلها إلى موقع جديد ملائم من ناحية السلامة خلال الفترة من 1960 إلى 1980 بتكلفة بلغت وقتها 80 مليون دولار وشاركت فيها 50 دولة وساهم فيها الإيكوموس.
وأضاف بأن التعامد بأبو سمبل كان يحدث يومي 21 أكتوبر و21 فبراير من كل عام وبعد نقل المعبد على تل ارتفاعه 66 متر تأخرت الظاهرة 24 ساعة لتصبح 22 أكتوبر و22 فبراير من كل عام، حيث تخترق أشعة الشمس الممر الأمامى لمدخل معبد رمسيس الثانى بطول 60 متر حتى تصل إلى قدس الأقداس الذى يضم منصة تشمل تمثال الملك رمسيس الثانى جالسًا وبجواره تمثال الإله رع حور آختى والذي يحمل على رأسه قرص الشمس وثعبان أوريوس والإله آمون إله الشمس والريح والخصوبة بينما يظل تمثال الإله "بتاح" في ظلام لأن قدماء المصريين كانوا يعدونه "إله الظلام" وتستغرق ظاهرة تعامد الشمس 20 دقيقة وقد تصل إلى 25 دقيقة .
وأن أسباب ذلك يرجع إلى تصميم المصريين للمعبد بناءً على حركة الفلك لتحديد بدء الموسم الزراعى وتخصيبه والآخر لبدء موسم الحصاد أو أن هذين اليومين يتزامنان مع يوم مولد الملك رمسيس الثانى ويوم جلوسه على العرش.
وينوه الدكتور ريحان إلى حركة البناء والتشييد الواسعة خلال حكم رمسيس الثاني حيث قام ببناء عددًا كبيرًا من المبانى يفوق أى ملك مصرى آخر فقد بدأ بإتمام المعبد الذي بدأه والده في أبيدوس ثم بنى معبدًا صغيرًا خاصًا به بجوار معبد والده ولكنه تهدم ولم يتبق منه إلا اطلال، وفي الكرنك أتم بناء المعبد الذي قد بدأه جده رمسيس الأول، وأقام في طيبة الرامسيوم (أطلق علماء القرن التاسع عشرعلى هذا المعبد الجنائزى اسم الرامسيوم نسبة إلى رمسيس الثانى) وهو معبد جنائزى ضخم بناه رمسيس لآمون ولنفسه، وتوجد له رأس ضخم أخذت من هذا المعبد ونقلت إلى المتحف البريطانى.
وأقام رمسيس الثانى معبدى أبو سمبل، المعبد الكبير له المنحوت في الصخر ويحرس مدخل المعبد أربعة تماثيل ضخمة لرمسيس الثاني وهو جالس، ويزيد ارتفاع كل تمثال عن 20 م، والمعبد الصغير المنحوت أيضا في الصخر لزوجته نفرتارى وكان مكرسًا لعبادة الإلهة حتحور إلهة الحب والتي تصور برأس بقرة، وتوجد في واجهة المعبد ستة تماثيل ضخمة واقفة أربعة منهم لرمسيس الثاني واثنين للملكة نفرتارى ويصل ارتفاع التمثال إلى نحو 10 أمتار.
ويتابع الدكتور ريحان، إن أحفاد قدماء المصريين كان لهم نصيب من ظاهرة التعامد حيث تتعامد الشمس أيضًا بكنيسة الملاك ميخائيل بكفر الدير بمنيا القمح محافظة الشرقية في ظاهرة فلكية روحانية تحظى بزيارة المصريين مسلمين ومسيحيين وتعد الكنيسة محطة مهمة فى مسار العائلة المقدسة الذى يعود تاريخها إلى القرن الرابع الميلادي وتتعامد الشمس بها ثلاث مرات سنويًا أول مايو على مذبح القديس مار جرجس فى عيد استشهاده، و19 يونيو على مذبح الملاك ميخائيل في عيده والذى حدث منذ أيام، و22 أغسطس على مذبح السيدة العذراء فى عيدها ولكن حجبت أشعة الشمس عن هذا المذبح نتيجة إضافة مبنى خرسانى للخدمات الكنسية على واجهة الكنيسة عام 1984 .
.